فصل: موعظة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.موعظة:

عباد الله لا شَيْء أغلى عليكم من أعماركم وأنتم تضيعونها فيما لا فائدة فيه. ولا عدو أعدى لكم من إبلَيْسَ وأنتم تطيعونه، ولا أضر عليكم من موافقة النفس الإمارة بالسُّوء وأنتم تصادقونها، لَقَدْ مضى من أعماركم الأطايب، فما بقي بعد شيب الذوائب.
يا حاضر الجسم والْقَلْب غائب، اجتماع العيب مَعَ الشيب من أعظم المصائب، يمضي زمن الصبا فِي لعب وسهو وغَفْلَة، يَا لها من مصائب، كفى زَاجِرًا وَاعِظاً تشيب منه الذوائب، يَا غافلاً فاته الأرباح وأفضل المناقب، أين البُكَاء والحزن والقلق لخوف العَظِيم الطالب أين الزمان الَّذِي فرطت فيه ولم تخش العواقب، أين البُكَاء دمًا على أوقات قتلت عَنْدَ التلفزيون والمذياع والكرة والسينماء والفيديو والخمر والدخان والملاعب واللعب بالورق والقِيْل والقَالَ.
كم فِي يوم الحَسْرَة والندامة من دمع ساكب على ذنوب قَدْ حواها كتاب الكاتب، من لَكَ يوم ينكشف عَنْكَ غطاؤك فِي موقف المحاسب، إِذَا قِيْل لَكَ: ما صنعت فِي كُلّ واجب، كيف ترجو النجاة وأَنْتَ تلهو بأسر الملاعب، لَقَدْ ضيعتك الأماني بالظن الكاذب، أما علمت أن الموت صعب شديد المشارب، يلقي شره بكأس صدور الكتائب، وأنه لا مفر منه لهارب فَانْظُرْ لنفسك واتق الله أن تبقى سَلِيمًا من النوائب، فقد بنيت كنسج العنكوت بيتًا، أين الذين علو فوق السفن والمراكب أين الَّذِينَ علو على متون النجائب، هجمت عَلَيْهمْ الْمَنَايَا فأصبحوا تحت النصائب وأَنْتَ فِي أثرهم عَنْ قريب عاطب، فَانْظُرْ وتفكر واعتبر وتدبر قبل هجوم من لا يمنع عَنْهُ حرس ولا باب ولا يفوته هرب هارب.
اللَّهُمَّ يسر لَنَا سبيل الأَعْمَال الصالحات وهيئ لَنَا من أمرنا رشدًا واجعل معونتك العظمى لَنَا سندًا واحشرنا إِذَا توفيتنا مَعَ عبادك الصالحين الَّذِينَ لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
وَكَيْفَ قَرَّتْ لأَهْلِ الْعِلْمِ أَعْيُنُهُمْ ** أَوْ اسْتَلَذَّوْا لَذِيذَ النَّوْمِ أَوْ هَجَعَوا

وَالْمَوْتُ يُنْذِرُهُمْ جَهْرًا عَلانِيَةً ** أَوْ كَانَ لِلْقَوْمِ أَسْمَاعٌ لَقَدْ سَمِعُوا

وَالنَّارُ ضَاحِيَةٌ لابد مَوْرِدُهُمْ ** وَلَيْسَ يَدْرُونَ مَنْ يَنْجُو وَمَنْ يَقَعُ

قَدْ أَمْسَتْ الطَّيْرُ وَالأَنْعَامُ آمِنَةً ** وَالنُّونُ فِي الْبَحْرِ لا يُخْشَى لَهَا فَزَعُ

وَالآدَمِيُّ بِهَذَا الْكَسْبِ مُرْتَهِنٌ ** لَهُ رَقِيبٌ عَلَى الأَسْرَارِ يَطَّلِعُ

حَتَّى يَرَى فِيهِ يَوْمَ الْجَمْعِ مُنْفَرِدًا ** وَخَصْمُهُ الْجِلْدُ وَالأَبْصَارُ وَالسَّمْعُ

وَإِذْ يَقُومُونَ وَالأَشْهَادُ قَائِمَةً ** وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ وَالأَمْلاكُ قَدْ خَشعُوا

وَطَارَتْ الصُّحُفُ فِي الأَيْدِي مُنْتَشِرَةً ** فِيهَا السَّرَائِرُ وَالأَخْبَارُ تَطَّلِعُ

فَكَيْفَ بِالنَّاسِ وَالأَنْبَاءُ وَاقِعَةٌ ** عَمَّا قَلِيلٍ وَمَا تَدْرِي بِمَا تَقَعُ

أَفِي الْجِنَانِ وَفَوْزٍ لا انْقِطَاعَ لَهُ ** أَمْ فِي الْجَحِيمِ فلا تُبْقِي وَلا تَدَعُ

تَهْوِي بُسُكَّانِهَا طَوْرًا وَتَرْفُعُهُمْ ** إِذَا رَجَوْا مَخْرَجًا مِنْ غَمِّهَا قُمِعُوا

طَالَ الْبُكَاءُ فَلَمْ يَنْفَعْ تَضَرُّعُهُمْ ** هَيْهَاتَ لا رِقَّةٌ تُغْنِي وَلا جَزَعُ

اللَّهُمَّ ثَبِّتْ محبتك فِي قلوبنا وقوها ونور قلوبنا بنور الإِيمَان وَاجْعَلْنَا هداة مهتدين وآتنا فِي الدُّنْيَا حسُنَّة وفي الآخِرَة حسُنَّة وقنا عذاب النار، اللَّهُمَّ أنظمنا فِي سلك الفائزين برضوانك، وَاجْعَلْنَا مِنْ المتقين الَّذِينَ أعددت لَهُمْ فسيح جنانك، وأدخلنا بِرَحْمَتِكَ فِي دار أمانك، وعافنا يَا مولانَا فِي الدُّنْيَا والآخِرَة مِنْ جَمِيعِ البلايا، وأجزل لَنَا من مواهب فضلك وهباتك ومتعنا بالنظر إِلَى وجهك الكريم مَعَ الَّذِينَ أنعمت عَلَيْهمْ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فَصْل في أن أصل الْخَيْر والشَّر من قبل الفكر:

وقَالَ ابن القيم: أصل الْخَيْر والشَّر من قبل الفكر، فَإِنَّ الفكر مبدأ الإرادة والطلب فِي الزهد، والترك، والحب والبغض وأنفع الفكر فِي مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها، وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها، فهذه أربعة أفكار هِيَ أجل الأفكار، ويليها أربعة، فكر فِي مصالح الدُّنْيَا وطرق تحصيلها وفكر فِي مفاسد الدُّنْيَا وطرق احتراز مَنْهَا فعلى هَذِهِ الأقسام الثمانية دارت أفكار العقلاء.
ورأس القسم الأول، الفكر فِي آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به، وبأسمائه وصفاته من كتابه وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم وما والاهما، وَهَذَا الفكر يثمر لصاحبه المحبة، والمعرفة، فإذا فكر فِي الآخِرَة وشرفها ودوامها وفي الدُّنْيَا وخستها وفنائها أثمر لَهُ ذَلِكَ الرغبة فِي الآخِرَة والزهد فِي الدُّنْيَا.
وكُلَّما فكر فِي قصر الأمل، وضيق الوَقْت، أورثه ذَلِكَ الجد والاجتهاد، وبذل الوسع فِي اغتنام الوقت.
وهذه الأفكار تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد.
قَالَ بعضهم:
فَكَّرْتُ فِي الْجَنَّةِ الْعُلْيَا فَلَمْ أَرَهَا ** تَنَالَ إِلا عَلَى جَسْرٍ مِن التَّعَبِ

آخر:
إِنَّ امْرَأً بَاعَ أُخْرَاهُ بِفَاحِشَةٍ ** مِن الْفَوَاحِشَ يَأْتِيهَا لِمَغْبُونُ

وَمَنْ تَشَاغَلَ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ** عَنْ جَنَّةِ مَا لَهَا مِثْلٌ لِمَفْتُونُ

وَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي عَقْلاً وَهِمَّتُهُ ** فِيمَا يُبْعَدُ عَنْ مَوْلاهُ مَجْنُونُ

آخر:
يَا مَنْ يُعَانِقُ دُنْيًا لا بَقَاءَ لَهَا ** يُمْسِي وَيُصْبِحُ فِي دُنْيَاهُ سَفَّارَا

هَلا تَرَكْتَ لَدَى الدُّنْيَا مُعَانَقَةً ** حَتَّى تُعَانِقَ فِي الْفِرْدَوْسِ أَبْكَارَا

إِنْ كُنْتَ تَبْغِي جِنَانَ الْخُلْدِ تَسْكُنُهَا ** فَاطْلُب رِضَى خَالِق الْجَنَّاتِ وَالنَّارَا

وبإزاء هَذِهِ الأفكار الرديئة التي تجول فِي قُلُوب أكثر هَذَا الخلق كالفكر فيما يكلف الفكر فيه، ولا أعطى الإحاطة به من فضول العلم الَّذِي لا ينفع، كالفكر فِي كيفية ذات الله وصفاته مِمَّا لا سبيل للعقول إِلَى إدراكه به.
ومنها الفكر فِي الصناعات الدقيقة التي لا تنفع بل تضر، كالفكر فِي الشطرنج والموسيقى وأنواع الأشكال، والتصاوير. قُلْتُ: وكل أنواع الملاهي.
ومنها الفكر فِي العلوم التي لو كَانَتْ صحيحة لم يعطي الفكر فيها النفس كمالاً ولا شرفًا كالفكر فِي دقائق المنطق، والعلم الرياضي، والطبيعي، وأكثر علوم الفلاسفة التي لو بلغ الإِنْسَان غايتها لم يكمل بذَلِكَ، ولم يزك نَفْسهُ.
ومنها الفكر فِي الشهوات، واللذات وطرق تحصيلها، وَهَذَا وإن كَانَ للنفس فيه لذة لكن لا عاقبة لَهُ ومضرته فِي عاقبة الدنيا قبل الآخِرَة أضعاف مسرته.
ومنها الفكر فيما لم يكن لو كَانَ كيف كَانَ، كالفكر فيما إِذَا صار ملكًا أَوْ وَجَدَ كنزًا أَوْ ملك ضيعة ماذا يصنع وكيف يتصرف، ويأخذ ويعطي وينتقم ونحو ذَلِكَ من أفكار السفل.
ومنها الفكر فِي جزئيات أحوال النَّاس، ومجرياتهم، ومداخلتهم ومخارجهم، وتوابع ذَلِكَ من فكر النُّفُوس المبطلة الفارغة من الله ورسوله والدار الآخِرَة.
ومنها الفكر فِي دقائق الحيل، والمكر، التي يتوصل بها إِلَى أغراضه وهواه مباحة كَانَتْ أَوْ محرمة.
ومنها الفكر فِي أنواع الشعر، وصروفه وأفانينه فِي المدح والهجَاءَ والغزل والمراثي ونحوها، فإنه يشغل الإِنْسَان عَنْ الفكر فيما فيه سعادته وحَيَاتهُ الدائِمَّة.
ومنها الفكر فِي المقدرات الذهنية التي لا وجود لها فِي الخارج ولا بِالنَّاسِ حَاجَة إليها البتة، وَذَلِكَ موجود فِي كُلّ علم حَتَّى فِي علم الفقه والأصول والطب، فكل هَذِهِ الأفكار مضرتها أرجح من منفعتها ويكفي فِي مضرتها شغلها عَنْ الفكر فيما هُوَ أولى به، وأَعُود عَلَيْهِ بالنفع عاجلاً وآجلاً. اهـ.
يَا غَافِلاً عَنْ صُرُوفِ الْوَقْتِ فِي سِنَةٍ ** الْوَقْتَ يُوقِظُ الآيَاتِ وَالْعِبَرِ

كَمْ ذَا تَنَامُ وَعَيْنُ الْوَقْتِ سَاهِرَةٌ ** لَهُ حَوَادِثُ فِي الْغُدْوَاتِ وَالْبُكَرِ

لا تَأَمن الْوَقْتَ وَأَحْذَرْ مِنْ تَقَلُّبِهِ ** فَشِيمَةُ الْوَقْتُ شَوْبُ الصَّفْوِ بِالْكَدَر

وَارْغَبْ بِنَفْسِكَ عَمَّا سَوْفَ تُدْرِكُه ** فِعْلَ اللَّبِيبِ أَخِي التَّحْقِيقِ وَالنَّظَرِ

مَاذَا يَغُرُّكَ مِنْ دَارِ الْفَنَاءِ وَمِنْ ** عُمْر يَمُرُّ كَمَثْلِ اللَّمْحِ بِالْبَصَرِ

فَامْهَدْ لِنَفْسِكَ فَالسَّاعَاتُ فَانِيَةٌ ** وَالْعُمْرُ مُنْتَقِصٌ وَالْمَوْتُ فِِي الأَثَر

آخر:
يَا مَنْ تَبَجَّحَ بِالدُّنْيَا وَزُخْرُفِهَا ** كُنْ مِنْ صُرُوفِ لَيَالِيهَا عَلَى حَذَرِ

وَلا يَغُرَّنَكَ عَيْشٌ إِنْ صَفَا وَعَفَا ** فَالْمَرْءُ مِنْ غُرر الأَيَّامِ فِي غَرَرِ

إِنَّ الزَّمَانَ كَمَا جَرَّبْتَ خِلْقَتَهُ ** مُقَسَّمُ الأَمْرِ بَيْنَ الصَّفْوِ وَالْكَدَر

اللَّهُمَّ ألهمنا ذكرك وَوَفِّقْنَا للقيام بحقك، وخلصنا من حقوق خلقك، وبارك لَنَا فِي الحلال من رزقك، ولا تفضحنا بين خلقك، يَا خَيْر من دعاة داع وأفضل من رجاه راج يَا قاضي الحاجات، ومجيب الدعوات، هب لَنَا ما سألناه، وحقق رجاءنا فيما تنميناه، يَا من يملك حوائج السائلين ويعلم ما فِي صدور الصامتين أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيع الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

.فَصْل في الحب فِي الله والبغض فِي الله:

اعْلَمْ وفقنا الله وَإِيَّاكَ وَجَمِيع الْمُسْلِمِين أن الحب فِي الله والبغض فِي الله، أصل عَظِيم من أصول الإِيمَان يجب مراعاته ولهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيث: «أوثق عرى الإِيمَان الحب فِي الله والبغض فِي الله»، وأكثر الله من ذكره فِي القرآن، قَالَ الله تَعَالَى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ}.
فالمعنى أن لكم أيها المؤمنون فِي موالات الْمُؤْمِنِينَ مندوحة عن موالات الكفار، فلا تؤثرهم عَلَيْهمْ، وقوله: {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ} المعنى ومن يتولاهم فهو برئ من الله والله برئ منه كقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
وقوله: {إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} أي إِلا أن تخافوا على أنفسكم فِي إبداء العداوة للكافرين، فلكم فِي هَذِهِ الحال الرخصة فِي المسالمة والمهادنة، ولا فِي التولي الَّذِي هُوَ مَحَبَّة الْقَلْب الَّذِي تتبعه النصرة، بل يكون الْقَلْب مطمئنًا بالعداوة والبغضاء، ينتظر زَوَال المانع.
وقَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ} الآيَة.
ففي هَذِهِ الآيات تحذير من الله لعباده الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ولاية الكفار واتخاذهم بطانة أَوْ خصيصية وأصدقاء، يسرون إليهم، ويفضون لَهُمْ بأسرار الْمُؤْمِنِينَ، أَوَّلاً أنهم لا يقصرون فِي مضرة الْمُؤْمِنِينَ، وإفساد الأَمْر على الْمُؤْمِنِينَ ما استطاعوا إِلَى ذَلِكَ سبيلاً.
ثانيًا: محبتهم ما شق على الْمُؤْمِنِينَ، وتمنيهم ضرر الْمُؤْمِنِينَ فِي دنياهم ودينهم.
ثالثًا: أنهم يبدون العداوة والبغضاء فِي كلامهم وفي فلتات ألسنتهم.
رابعًا: أن ما تخفيه صدورهم من البغضاء والعداوة أكبر مِمَّا ظهر لكم من أقوالهم وأفعالهم، ثُمَّ ذكر نوعًا آخر من التحذير عَنْ مخالطة الكافرين واتخاذهم بطانة.
وفيه تنبيه على خطئهم فِي ذَلِكَ وقَدْ ضمنه أمورًا ثلاثًا كُلّ مَنْهَا يستدعي الكف عَنْ مخالطة الكفار، أَوَّلاً أنكم تحبونهم ولا يحبونكم، ثانيًا أنكم تؤمنون بالكتاب كله ما نزل على نبيكم وما نزل على نبيهم، ثالثًا أنهم يداهنونكَمْ وينافقونكم فإذا لقوَكَمْ قَالُوا آمنا وَإِذَا خلوا مَعَ بَنِي جنسهم عضو عليكم الأنامل من الغيظ والبغض.
وإنما فعلوا ذَلِكَ لما رأوا من ائتلاف الْمُسْلِمِين، واجتماع كلمتهم وصلاح ذات بينهم، ونصر الله إياهم، حَتَّى عجز أعداؤهم أن يجدوا إِلَى ذَلِكَ التشفي سبيلاً، فاضطروا إِلَى مداراتهم.
وقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}.
والآيات هَذِهِ تنادي بالنهي المطلق عَنْ الولاء لليهود والنَّصَارَى وعن الاستنصار بِهُمْ، والركون إليهم والثِّقَة بِهُمْ، وبمودتهم والاعتقاد فِي قدرتهم على إيصال خَيْر لِلْمُسِلِمِينَ، أَوْ دفع أذى بل هم على العكس لا يألون جُهْدًا فِي دفع النفع عَنْ الْمُسْلِمِين، وإيصال الضَّرَر والأَذَى لِلْمُسِلِمِينَ فانتبه يَا أخي واحذرهم وحذر عنهم. وَإِيَّاكَ ومدارتهم.
يَقُولُونَ لِي الْعِدَا تَنْجِ مِنْهُمْ ** فَقُلْتُ مُدَارَاتُ الْعِدَا لَيْسَ تَنْفَعُ

وَلَوْ أَنَّنِي دَارَيْتُ دَهْرِي حَيَّةً ** إِذَا مُكِّنَتْ يَوْمًا مِنَ اللَّسْعِ تَلْسَعُ

آخر:
إِذَا وَتَرْتَ أَمْرًا فَاحْذَرْ عَدَاوَتَهُ ** مَنْ يَزْرَعِ الشَّوْكَ لا يَحْصُدْ بِهِ عِنَبَا

إِنَّ الْعَدُوَّ وَإِنْ أَبْدَى مُجَامَلَةً ** إِذَا رَأى مِنْكَ يَوْمًا فُرْصَةً وَثَبَا

قَالَ شَّيْخ الإِسْلام: ولهَذَا كَانَ السَّلَف رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يستدلون بهذه الآيات على ترك الاستعانة بِهُمْ فِي الولايات، فروى الإِمَام أحمد بإسناد صحيح عَنْ أبي مُوَسى الأشعري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لعمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إن لي كاتبا نَصْرَانِيًّا، قَالَ: ما لك قاتلك الله، أما سمعت الله يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} ألا اتَّخَذْتَ حَنِيْفيًا.
قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لي كتابته وله دينه، قَالَ: لا أكرمهم إِذَا أهانهم الله، ولا أعزهم إِذَا أذلهم الله ولا أدنيهم إِذَا أقصاهم الله. بلغ يَا أخي من والاهم وولاهم ووثق بِهُمْ، وأحمد الله الَّذِي عَافَاكَ مِمَّا ابتلاهم به.
ولما دل عَلَيْهِ معنى الكتاب وجاءت به سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُنَّة خلفائه الراشدين، التي أجمَعَ الْفُقَهَاء عَلَيْهَا بمخالفتهم، وترك التشبه بِهُمْ، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنَّصَارَى لا يصبغون، فخالفوهم أمر بمخالفتهم قَالَ.
وقَالَ تَعَالَى لنبيه عَلَيْهِ الصَّلاة والسَّلام: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وَذَلِكَ يقتضي تبرؤه مِنْهُمْ فِي جميع الأَشْيَاءِ، وَإِذَا كَانَ الله قَدْ برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مِنْ جَمِيعِ أمورهم، فمن كَانَ متبعًا للرسول صلى الله عليه وسلم حَقِيقَة كَانَ مُتَبَرِّئًا مِنْهُمْ، كتبرئه صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ ومن كَانَ موافقًا لَهُمْ كَانَ مُخًالِفًا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بقدر موافقته لَهُمْ.
وقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: إن مشابهتهم فِي بعض أعيادهم، توجب سرور قلبوهم بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ، خُصُوصًا إِذَا كَانُوا مقهورين، تحت ذل الْجِزْيَة والصغار، فَإِنَّهُمْ يرون الْمُسْلِمِين قَدْ صاروا فرعًا لَهُمْ فِي خصائص دينهم، فَإِنَّ ذَلِكَ يوجب قَسْوَة قُلُوبِهِمْ وانشراح صدورهم وَرُبَّمَا أطمعهم ذَلِكَ فِي انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء.
وقال رحمه الله: وكلما كانت المشابهة أكثر كان التفاعل فِي الأَخْلاق والصفات أتم حَتَّى يؤل الأَمْر إِلَى أن لا يميز أحدهما عَنْ الآخِر إِلا بالعين فقط.
ولما كَانَ بين الإِنْسَان مُشَارَكَة فِي الْجِنْس الْخَاص، كان التفاعل فيه أشد، ثُمَّ بينه وبين سائر الْحَيَوَان مُشَارَكَة فِي الْجِنْس، المتوسط، فلابد مِنْ نوع تفاعل بقدره.
ثُمَّ بينه وبين النَّبَات مُشَارَكَة فِي الْجِنْس الْبَعِيد مثلاً، فلابد مِنْ نوع ما من المفاعلة: قَالَ: ولأجل هَذَا الأصل وقع التأثر والتأثير فِي بَنِي آدم، واكتساب بَعْضهمْ أَخْلاق بَعْض بالمُشَارَكَة والمعاشرة، وكَذَلِكَ الآدمي إِذَا عاشر نوعًا من الْحَيَوَان، اكتسب من بَعْض أخلاقه.
ولهَذَا صَارَت الخيلاء والفخر فِي أَهْل الإبل، وصَارَت السكينة فِي أَهْل الغنم، وصار الجمالون والبغالون فيهم أَخْلاق مذمومة، من أَخْلاق الجمال والبغال، وَكَذَا الكلابون.
قُلْتُ: وَهَذَا واضح مشاهد عَنْدَ الَّذِينَ يتأملون بدقة، فالمعاشرون للدجاج والحمام، والأرانب والحمر والبقر يأخذون من أخلاقها.
قَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وصار الْحَيَوَان الإنسي فيه بَعْض أَخْلاق الإنس من المعاشرة والمؤالفة وقلة النفرة، فالمشابهة والمشاكلة فِي الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة فِي الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي.
قَالَ: وقَدْ رأينا اليهود الَّذِينَ عاشروا الْمُسْلِمِين، هم أقل كفرًا من غيرهم، كما رأينا الْمُسْلِمِين الَّذِينَ أكثروا من معاشرة اليهود والنَّصَارَى هم أقل إيمانًا من غيرهم، والمُشَارَكَة فِي الهدْي الظاهر، توجب أيضًا مناسبة وإتلافًا وإن بعد المكَانَ، والزمان، فهَذَا أيضًا أمر محسوس فمشابهتهم فِي أعيادهم ولو بالقليل، هُوَ سبب لنوع ما من اكتساب أخلاقهم التي هِيَ ملعونة.
فنقول: مشابهتهم فِي الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم فِي عين الأَخْلاق والأفعال المذمومة، بل فِي نفس الاعتقاد، وتأثير ذَلِكَ لا يظهر ولا ينضبط ونفس الفساد الحاصل من المشابهة قَدْ لا يظهر ولا ينضبط وقَدْ يتعسر، أَوْ يتعذر زواله، بعد حصوله لو تفطن لَهُ.
وكل ما كَانَ سببًا إِلَى مثل هَذَا الفساد فَإِنَّ الشارع يحرمه كما دلت عَلَيْهِ الأصول المقررة.
وقَالَ: إن المشابهة فِي الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة فِي الباطن. قَالَ: والمحبة والموالاة لَهُمْ تنافي الإِيمَان، قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء} إِلَى قوله تَعَالَى: {فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} وقَالَ تَعَالَى فيما ذم به أَهْل الكتاب: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} الآيات إِلَى قوله: {وَلَكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
فبين تَعَالَى أن الإِيمَان بِاللهِ والنَّبِيّ وما أنزل مستلزم لعدم ولايتهم فثبوت ولايتهم يوجب عدم الإِيمَان. انتهى كلامه.
إذا فهمت ذَلِكَ، فاعْلَمْ أن المقصود من كُلّ ما ذكرنا، هُوَ إِنَّكَ تَكُون متيقظًا حَافِظًا لِمَن ولاك الله عَلَيْهمْ حسب قدرتك واستطَاعَتكَ مبعدًا لَهُمْ كُلّ البعد عَنْ الإتصال بالكفار، والسفر إِلَى بلادهم، والإقامة عندهم، لما وضحنا لَكَ سابقًا فَإِنَّ قبلت ذَلِكَ فهو المطلوب، والحمد لله على ذَلِكَ وإن أبيت قبول هَذِهِ النَّصِيحَة فسوف تعلم إِذَا انجلى الغبار، أفرس تحتك أم حمار، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ وعَلَيْهِ التكلان.
أَلا رُبَّ نُصْحٍ يُغْلَقُ الْبَابُ دُونَهُ ** وَغِشٍ إلى جَنبِ السَّرِيرِ يُقَرَّبُ

وَاللهُ أَعْلَمُ. وصلى الله على مُحَمَّد وعلى آله وسلم.
فَصْل:
وقَالَ تَعَالَى: {تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} الآيتين. وقال:
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء}. الآية. قَالَ ابن عباس: لا تميلوا. وقَالَ عكرمة: أن تطيعوهم أَوْ تودوهم، أَوْ تصطنعوهم، أي تولوهم الأَعْمَال، كمن يولي الفساق والفجار.
وقَالَ الثوري: ومن لاق لَهُمْ دواة أَوْ برى لَهُمْ قلمًا أَوْ ناولهم قرطاسًا دخل فِي هَذَا. قَالَ بَعْض المفسرين فِي الآيَة: فالنهي متناول للانحطاط فِي هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم، ومجالستهم، وزيارتهم ومداهنتهم والرِّضَا بأَعْمَالُهُمْ والتشبه والتزيي بزيهم، ومد العين إِلَى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيمًا لَهُمْ. قُلْتُ: ما أكثر هَذَا فِي زمننا نسأل الله أن يحفظنا عَنْ ذَلِكَ.
وقَالَ آخر: لا تستندوا وتطمئنوا إِلَى الَّذِينَ ظلموا وإلى الجبارين الطغاة الظالمين، أصحاب الجور والظلم الَّذِينَ يقهرون بقوتهم، ويظلمون لا تميلوا إليهم طالبين نصرتهم أَوْ حمايتهم مهما يكن فِي أيديهم من القوة والسُّلْطَان والْمَال، فَإِنَّ ركونكم إليهم على هَذَا النحو يقدح فِي اعتمادكم على الله، وفي إخلاصكم بالتوجه إليه وحده والاتكال عَلَيْهِ وحده والاعتزاز به وحده.
والركون إِلَى الظلمة المتسلطين سواء كَانُوا أفردًا أَوْ كَانُوا دولاً يتمثل فِي صورٍ شتَّى، ومنه التعاون مَعَ الطغاة على الشعوب، الَّذِينَ لا يحكمون بما أنزل الله، ومنه معاهدات الحماية ومعاهدات الدفاع المشترك ومعاهدات الصداقة والتحالف مَعَ الَّذِينَ يؤذون الْمُؤْمِنِينَ فِي ديارهم، وكل صورة يتحقق فيها اعتماد الْمُسْلِمِين على أَهْل الظلم أفرادًا ودولاً والاستناد إِلَى قوتهم وعونهم ومساعدتهم.
وقَالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} صدر هَذِهِ السورة نزل فِي حاطب بن أبي بلتعة، لما كتب إِلَى المشركين، يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ظنك بمن يعول على الكفرة ويعتمد عَلَيْهمْ ويتخذهم أَوْلِيَاء نسأل الله العصمة إنه القادر على ذَلِكَ.
فيجب عَلَيْنَا معشر الْمُؤْمِنِينَ أن نتباعد عنهم ولا نقاربهم فِي المنازل ولا نذهب إليهم، ولا نكون معهم، وأن ننصح من كَانَ من الْمُسْلِمِين فِي بلادهم، بأن يهاجر عنهم، وأن نبين لَهُ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: «لا تستضيئوا بنار المشركين».
وقَالَ: «من جامَعَ المشرك أَوْ سكن معه فهو مثله». وحديث: «أَنَا برئ من مُسْلِم بين أظهر المشركين لا ترائي نارهما». وكَانَ صلى الله عليه وسلم يأخذ على أصحابه عَنْدَ البيعة يأخذ على يد أحدهم: «أن لا تَرَى نارك نار المشركين إلا أن تَكُون حربًا لَهُمْ».
شَرُّ الْبِلادِ بِلادٌ لا أَذَانَ بِهَا ** وَلا يُقَامُ بِهَا فَرْضُ الصَّلَوَاتِ

وَلا زَكَاةٌ وَلا صَوْمٌ يَكُونُ بِهَا ** وَلا مَسَاجِدَ فِيهَا لِلْعِبَادَاتِ

إِنِّي لأَعْجَبُ مِنْ شَخْصٍ يُقِيمُ بِهَا ** عِنْدَ الْمَعَادِي لِخَلاقِ السَّمَاوَاتِ

آخر:
إِرْحَلْ بِنَفْسِكَ مِنْ أَرْضٍ تُضَامُ بِهَا ** وَلا تَكُنْ لِفِرَاقِ الأَهْلِ فِي حَرَقِ

مَنْ ذَلَّ بَيْنَ أَهَالِيهِ بِبَلْدَتِهِ ** فَالإغْتِرَابُ لَهُ مِنْ أَحْسَنِ الْخُلْقِ

الْكُحْلُ نُوعٌ مِن الأَحْجَارِ مُنْطَرِحًا ** فِي أَرْضِهِ كَالثَّرَى يُرَى عَلَى الطُّرُقِ

لَمَّا تَغَرَّبَ نَالَ الْعِزَّ أَجْمَعَهُ ** وَصَارَ يُحْمَلُ بَيْنَ الْجِفْنِ وَالْحَدَقِ

آخر:
إِذَا زِدْتَ فِي أَرْضٍ لِرَبِّكَ طَاعَة ** فَلا تَكْثِرَنْ مِنْهَا النُّزُوعَ لِغَيْرِهَا

فَمَا هِيَ إِِلا بَلْدَةٌ مِثْلَ بَلْدَةٍ ** وَخَيْرُهُمَا مَا كَانَ عَوْنًا عَلَى التُّقَى

آخر:
إِذَا اغْتَرَبْ الْحُرُّ الْكَرِيمُ بَدَتْ لَهُ ** ثَلاثُ خِلالٌ كُلُّهُنَّ صِعَابُ

تَفَرُّقُ أَلافُ وَبَذْلٌ لِهَيَبْةٍ ** وَإِنْ حُمَّ لَمْ يَعْطِفْ عَلَيْهِ صِحَابُ

آخر:
وَكُنْ فِي بَلْدَةٍ تَزْدَادُ فِيهَا ** لَدَى الْخَلاقِ مَرْتَبَةً وَقَدْرَا

فَخَيْرُ النَّاسِ مَنْ أَرْضَى إِلَهًا ** تَفَرَّدَ بِالْجَلالِ وَبِالْكَمَال

وفي حديث معاوية بن حيدة مرفوعًا: «لا يقبل الله من مُسْلِم عملاً أَوْ يفارق المشركين». أَخْرَجَهُ النسائي وورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أنه أقسم لا يظلله سقف، هُوَ وقاطع رحم.
فانتبه يَا من زين لَهُ سوء عمله فأتى بكفار خدامين أَوْ سواقين أَوْ خياطين أَوْ طباخين وأمِنْهُمْ على محارمه وهم أعداء الله ورسوله والْمُؤْمِنِينَ. هَذَا والعياذ بِاللهِ إجرام عَظِيم ومحاربة لله ورسوله الْمُؤْمِنِينَ ونشر للفساد فِي الْبِلاد الإِسْلامية.
فَكَيْفَ بمن يذهب إِلَى بلاد الكفر ويجلس معهم، ويأكل ويشرب ويتبادل معهم الكلام بلين وبشر وينام ويصحو، ويقوم ويقعد وَهُوَ بينهم فِي تقلباته وحركاته وسكناته.
ولَقَدْ وصل الأَمْر فِي هَذَا الزمن إِلَى أناسًا يبعثون أماناتهم أفلاذ أكبادهم إِلَى بلاد الكفر والشرك والحرية والفساد يتعلمون عَنْدَ أولئك الكفرة أعداء الإِسْلام وأهله الَّذِينَ تجب الهجرة من بلادهم وَرُبَّمَا كَانَ عَنْدَ الأولاد المبعوثين للتعلم عَنْدَ الكفرة مبادئ طيبة وأخلاق فاضلة فإذا ذهبوا إلى بلاد الكفر والعياذ بالله ضيعوا دينهم وأخلاقهم واعتادوا عَنْ قصد وعن غير قصد شرورًا وسمومًا يحملونها ثُمَّ يأتون بها فينفثونها بين الْمُسْلِمِين ثُمَّ يعدون أقرانهم ويزينون لَهُمْ طريقتهم فيهلكون ويهلكون ولا أدري ماذا عَنْدَ مضيع هَذِهِ الأمانة من الجواب إِذَا وقف بين يدي الجبار جَلَّ وَعَلا وسأله عَنْ هَذِهِ الأمانة وما أعقبت من شرور وفساد.
هل يدعي أنه لا يعرف أنها بلاد كفر وإلحاد فيكون كاذبًا أَوْ يَقُولُ إنه يدري ولكنه لا يبالي بهذه الأمانة قولوا لَهُ: ألست تقرأ قول الله تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} الآيَة.
وقوله تَعَالَى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} هَذَا إِذَا كَانَ الباعث راضيًا بذَلِكَ أَوْ آمرًا به.
فهل الكفار أَهْل لوضع هَذِهِ الأمانة عندهم أما تخشى الله هَذَا وَاللهِ جرم عَظِيم. قَالَ تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لَنَا من لدنك رحمة إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب، فَإِنَّهَا لا تعمى الأبصار ولكن تعمى الْقُلُوب التي فِي الصدور: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ}.
والشئ الَّذِي يضحك الإِنْسَان من جهه ويبكيه من جهة هُوَ أنه ربما يكون المرسلون من الَّذِينَ يعدون طاهرة قُلُوبهمْ ولكن غفلوا عَنْ هَذِهِ المسألة فلم يسألوا عَنْهَا هل يجوز لَهُمْ أم لا، ثُمَّ الشيء الثاني يأتي أناس آخرون لا يعرفون الولاء والبراء أَوْ يعرفونه ولكن يتساهلون فيأخذون الَّذِي جاءوا من بلاد الكفر يحملون شهاداتهم بالدوائر والولائم وَهَذَا والعياذ بِاللهِ تشجيعًا على المعاصي وحثًا عَلَيْهَا وإغراء بها نسأل الله العافية.
لأن الواجب هجرهم والابتعاد عنهم ولو كَانُوا آباءهم أَوْ أبناءهم أَوْ إخوانهم كما هُوَ المعهود فِي الزمن الْبَعِيد والقريب فيمن جَاءَ من الْبِلاد التي مستعمرة للكفرة يهجر لا يكلم ولا يدعى ولا يجاب دعوته عَنْدَ المتمسكين بالدين تمامًا الصدَّاعين بالحق المخلصين لله الناصحين لله ولكتابه ولرسوله ولولاة الْمُسْلِمِين ولكن يَا للأسف ذهب النَّاس وبقي النسناس الَّذِينَ لا يعرفون الولاء والبراء إِلا فيما يتعلق بحطام الدُّنْيَا.
فَمَا النَّاسُ لِلنَّاسِ الَّذِينَ عَهدْتَهُمْ ** وَلا الدَّارُ بِالدَّارِ الَّتِي كُنْتَ تَعْرِفُ

آخر:
أَلا رُبَّ نُصْحٍ يُغْلَقُ الْبَابُ دُونَهُ ** وَغِشٍّ إِلَى جَنْبِ الشَّرِيرِ يُقَرَّبُ

آخر:
بَذَلْتُ لَهُمْ نُصْحِي بِمُنْعَرِجِ اللَّوَى ** فَلَمْ يَسْتَبِينُوا الرُّشْدَ إِلا ضُحَى الْغَد

ويذكر عَنْ عيسى عَلَيْهِ السَّلام أنه قَالَ: تحببوا إِلَى الله ببغض أَهْل المعاصي، وتقربوا إِلَى الله بالبعد عنهم واطلبوا رضى الله بسخطهم فإذا كَانَ هَذَا مَعَ أَهْل المعاصي، فَكَيْفَ بالكفرة والمشركين والمنافقين أعداء الله ورسله والْمُؤْمِنِينَ.
وقَدْ أجاب أبناء شيخ الإِسْلام مُحَمَّد بن عبد الوهاب لما سئلوا عَنْ السفر إِلَى بلاد المشركين للتجارة بما حاصله أنه يحرم السفر إِلَى بلاد المشركين إِلا إِذَا كَانَ المسلم قويًا لَهُ منعة يقدر على إظهار دينه وإظهار الدين تكفيرهم وعيب دينهم والطعن عَلَيْهمْ والبراءة مِنْهُمْ والتحفظ من موادتهم والركون إليهم واعتزالهم ولَيْسَ فعل الصلوات فقط للدين. اهـ.
نسألُ اللهَ السلامةَ وَالعافية فيها أيها المعافى أحمد ربك حمدًا طيبًا مباركًا وأكثر من قول: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لَنَا من لدنك رحمة إِنَّكَ أَنْتَ الوهاب، ومن قول يَا مقلب الْقُلُوب والأبصار ثَبِّتْ قلوبنا على دينك، ويا مصرف الْقُلُوب صرف قلوبنا إلى طَاعَتكَ.
اللَّهُمَّ طهر قلوبنا من النفاق وعملنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة وآذاننا عَنْ الاستماع إِلَى ما لا يرضيك وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَوَفِّقْنَا لسلوك مناهج المتقين، وخصنا بالتَّوْفِيق المبين، وَاجْعَلْنَا بِفَضْلِكَ من المقربين الَّذِينَ لا خوف عَلَيْهمْ ولا هم يحزنون، اللَّهُمَّ ألهمنا ما ألهمت عبادك الصالحين، وأيقظنا من رقدة الغافلين إِنَّكَ أكرم منعم وأعز معين وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَلا قُلْ لأَهْلِ الْجَهْلِ من كُلِّ مَنْ طَغَى ** عَلَى قَلْبِهِ رَيْنٌ مِنَ الرَّيْبِ وَالْعَمَا

لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْطَأْتُمُوا إِذْ سَلَكْتُمُ ** طَرِيقَةَ جَهْلٍ غَيُّهَا قَدْ تَجَهَّمَا

أَيَحْسَبُ أَهْلُ الْجَهْلِ لَمَّا تَعَسَّفُوا ** وَجَاءُوا مِن الْعُدْوَانِ أَمْرًا مُحَرَّمَا

بِأَنَّ حِمَى التَّوْحِيدِ لَيْسَ بِرَبْعِهِ ** وَلا حِصْنِهِ مَنْ يَحْمِهِ أَنْ يُهَدَّمَا

وَظَنُّوا سَفَاهًا أَنْ خَلَى فَتَوَاثَبَتْ ** ثَعَالِبُ مَا كَانَتْ تَطَا فِي فِنَا الْحِمَا

أَيَحْسَبُ أَعْمَى الْقَلْبِ أَنَّ حُمَاتَهُ ** غُفَاةٌ فَمَا كَانُوا غُفَاةً وَنُوَّمَا

فَإِنْ كَانَ فَدْمٌ جَاهِلٌ ذُو غَبَاوَةٍ ** رَأَى سَفَهًا مِنْ رَأْيِهِ أَنْ تَكَلَّمَا

بِقَوْلٍ مِنْ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ خَالَهُ ** صَوَابًا وَقَدْ قَالَ الْمقَالَ الْمُذَمَّمَا

سَنَكْشِفُ بِالْبُرْهَانِ غَيْهَبَ جَهْلِهِ ** وَيَعْلَمُ حَقًّا أَنَّهُ قَدْ تَوَهَّمَا

وَنُظْهِرُ مِن عَوْرَاتِهِ كُلَّ كَامِنٍ ** لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ جَاءَ إِفْكًا وَمَأْثَمَا

رُوَيْدًا فَأَهْلُ الْحَقِّ وَيْحَكَ فِي الْحِمَى ** وَقَدْ فَوَّقُوا نَحْوَ الْمُعَادِينَ أَسْهُمَا

وَتِلْكَ مِن الآيَاتِ وَالسُّنَنَ الَّتِي ** هِيَ النُّورُ إِنْ جَنَّ الظَّلامُ وَأَجْهَمَا

فَيَا مَنْ رَأَى نَهْجَ الضَّلالَةِ نَيِّرَا ** وَمَهْيَعَ أَهْلِ الْحَقِّ وَالدِّيِن مُظْلِمَا

لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْطَأْتَ رُشْدَكَ فَاتَّئِدْ ** وَرَاجِعْ لِمَا قَدْ كَانَ أَقْوَى وَأَقْوَمَا

مِن الْمَنْهَجِ الأَسْنَى الَّذِي ضَاءَ نُورُهُ ** وَدَعْ طُرُقًا تُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ وَالْعَمَا

وَمِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ فَاسْلُكْ طَرِيقَهَا ** وَعَادِ الَّذِي عَادَاهُ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمَا

وَوَالِ الَّذِي وَالَى وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُنْ ** سَفِيهًا فَتُحْظَى بِالْهَوَانِ وَتَنْدَمَا

أَفِي الدِّينِ يَا هَذَا مُسَاكَنَةُ الْعِدَا ** بِدَارِ بِهَا الْكُفْرِ أَدْلَهَمَّ وَأَجْهَمَا

وَأَنْتَ بِدَارِ الْكُفْرِ لَسْتَ بِمُظْهِرٍ ** لِدِينِكَ بَيْنَ النَّاسِ جَهْرًا وَمُعْلِمَا

بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِإِيَّةِ آيَةٍ ** أَخَذْتَ عَلَى هَذَا دَلِيلاً مُسَلَّمَا

وَإِنَّ الَّذِي لا يُظْهِرُ الدِّينَ جَهْرَةً ** أَبْحَتْ لَهُ هَذَا الْمَقَامَ الْمُحَرَّمَا

إِذَا صَامَ أَوْ صَلَّى وَقَدْ كَانَ مُبْغِضًا ** وَبِالْقَلْبِ قَدْ عَادَى ذَوِي الْكُفْرِ وَالْعَمَا

ثَكَلَتْكَ هَلْ حَدَّثْتَ نَفْسَكَ مَرَّة ** بِمِلَّةِ إِبْرَاهِيم أَوْ كُنْت مُعْدَما

فَفِي التّرمذي أَنَّ النَّبِيّ مُحَمَّدًا ** بَرِئَ مِنَ الْمَرْءِ الَّذِي كَانَ مُسْلِمًا

يُقِيمُ بِدَارٍ أَظْهَرَ الْكُفْرَ أَهْلُهَا ** فَيَا وَيْحَ مَنْ قَدْ كَانَ أَعْمَى وَأَبْكَمَا

أَمَا جَاءَ آيَاتٌ تَدُلُّ بِِأَنَّهُ ** إِذَا لَمْ يُهَاجِرْ مُسْتَطِيع فَإِنَّمَا

جَهَنَّمُ مَأْوَاهُ وَسَاءَتْ مَصِيرُهُ ** سِوَى عَاجِزٌ مَسْتَضْعَفٌ كَانَ مُعْدَما

فَهَلْ عِنْدَكُمْ عِلْمٌ وَبُرْهَانَ حُجْة ** فَحَيَّا هَلا هَاتُوا الْجَوَابَ الْمُحَتَّما

وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَجِيئُوا بِحُجَّةٍ ** لِتَدْفَعْ نَصًّا ثَابِتًا جَاءَ مُحْكَما

وَلَكَنما الأَهْوَاء تَهْوى بِأَهْلِهَا ** فَوَيْلٌ لِمَنْ أَلَوْتَ بِهِ مَا تَأَلَّما

أَلا فَأَفِيقُوا وَارْجِعُوا وَتَنْدَمُوا ** وَفِيئُوا فَإِنَّ الرَّشُدَ أَوْلَى مِنَ الْعَمَا

وَظَنِّي بِأَنَّ الْحُبَّ للهِ وَالْوَلا ** عَلَيْهِ تَوَلَّى عَنْكُمُو بَلْ تَصَرَّما

وَحُبُّكُمْ الدُّنْيَا وَإِيثَارُ جَمِعَهَا ** عَلَى الدِِّينَ أَضْحَى أَمْرهُ قَدْ تَحَكُّمَا

لِذَلِكَ دَاهَنْتُمْ وَوَالَيْتُمُوا الَّذِي ** بِأَوْضَارِ أَهْلِ الْكُفْرِ قَدْ صَارَ مُظْلِما

وَجَوَّزْتُمُوا مِنْ جَهْلِكُمْ لِمُسَافِرٍ ** إِقَامَتُهُ بَيْنَ الْغُوَاة تَحَكُّما

بِغَيْرِ دَلِيلٍ قَاطِعٌ بَلْ بِجَهْلِكُمْ ** وَتَلْبِيس أَفَّاكَ أَرَادَ التَّهَكُّمَا

وقَدْ قلْتُمُوا فِي الشَّيْخِ مَنْ شَاعَ فَضْلُهُ ** وَأَنْجَدَ فِي كُلِّ الْفُنُونِ وَالتهَمَا

إِمَامِ الْهُدَى عَبْدِ اللَّطِيفِ أَخِي التُّقَى ** فَقُلْتُمْ مِنَ الْعُدْوَانِ قَولاً مُحَرَّمَا

مَقَالَةَ فَدْمٍ جَاهِلٍ مُتَكَلِّفٍ ** يَرَى أَنَّهُ كُفْرًا فَقَال مِنَ الْعَمَا

يُنَفِّرُ بَلْ قَدْ قلْتُمُوا مِنْ غَبَائِكُمْ ** يُشَدِّدُ أَوْ قُلْتُمْ أَشَدَّ وَأَعْظَمَا

وَلَيْسَ يَضُرُّ السُّحْبُ فِي الْجَوِ نَابِحٌ ** وَهَلَ كَانَ إِلا بِالإِغَاثَةِ قَدْ هَمَا

فَيَدْعُو لَهُ مَنْ كَانَ يَحْيَى بِصَوْبِهِ ** وَيُنَجِّهِ مَنْ كَانَ أَعْمَى وَأَبْكَما

أَيُنْسَبُ لِلتَّنْفِيرِ وَهُوَ الَّذِي لَهُ ** رَسَائِلُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مَنْ تَوَهَّمَا

يُؤَنِّبُ فِيهَا مَنْ رَأَى غَلْطَةً ** وَيَأْمُرُ أَنْ يَدْعُو بِلِينٍ وَيَحْلُمَا

أَيُنْسَبُ لِلتَّشْدِيدِ إِذَا كَانَ قَدْ حَمَا ** حِمَى الْمِلَّة السَّمْحَاء أَنْ لا تُهْدَمَا

وَغَارَ عَلَيْهَا مِنْ أُنَاسٌ تَرَخَّصُوا ** وقَدْ جَهِلُوا الأَمْرَ الْخَطِيرَ الْمُحَرَّمَا

فَلَوْ كُنْتُمُوا أَعَلَى وَأَفْضَلَ رُتْبَة ** وَأَزْكَى وَأَتْقَى أَوْ أَجَلَّ وَأَعْلَمَا

يُشَارُ إِلَيْكُمْ بِالأَصَابِعِ أَوْ لُكُمْ ** مِنَ الْعِلْمِ مَا فُقْتُمْ بِهِ مَنْ تَقَدَّمَا

لِكُنَّا عَذَرْنَاكُمْ وَقُلْنَا أَئِمَّة ** جَهَابِذَة أَحْرَى وَأَدْرَى وَأَفْهَمَا

وَلَكِنَّكُمْ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ مَا لَكُمْ ** مِنَ الْعِلْمِ مَا فُقْتُمْ بِهِ مَنْ تعَّلَمَا

وَمِنْ أَصْغَر الطُّلاب لِلْعِلْمِ بَلْ لَكُمْ ** مُزْيَة جَهْلٍ غَيُّهَا قَدْ تَجَهَّمَا

لِذَلِكَ أَقْدَمْتُمْ لِفَتْحِ وَسَائِلٍ ** وَقَدْ سَدَّهَا مَنْ كَانَ بِاللهِ أَعْلَمَا

ثَكَلْتُمُوا هَلْ حَدَّثَتْكُمْ نُفُوسُكُمْ ** بِخْرِقِ سِيَاج الدِّين عَدْوًا وَمَأْثَمَا

وَإِنَّ الْحُمَاةَ النَّاصِرِينَ لِرَبِّهِمْ ** بِخْرِقِ سِيَاج الدِّين عَدْوًا وَمَأْثَمَا

عَلَى مَا يَشَأُ مِنْ كُلّ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ ** وَلَيْسَ لَهُ مِنْ وَازِعٍ أَنْ تَكَلَّمَا

وَإِنَّ حِمَى التَّوْحِيد أَفْقَر رَسْمُهُ ** فَقُلْتُمْ وَلَمْ تَخْشُوا عِتَابًا وَمَنْقَمَا

فنَحْنُ إِذَا وَالْحَمْدُ للهِ لَمْ نَزَلْ ** عَلَى ثَغْرَةٍ الْمَرْمَى قُعُودًا وَجُثَّمَا

أَلا فَاقْبَلُوا مِنَّا النَّصِيحَةَ وَاحْذَرُوا ** وَفِيئُوا إِلَى الأَمْر الَّذِي كَانَ أَسْلَمَا

وَإِلا فَإنَّا لا نُوَافِقُ مَنْ جَفَا ** وَيَسْعَى بِأَنْ يُوطي الْحِمَى أَوْ يُهْدَمَا

وَإِلا فَإنَّا لا نُوَافِقُ مَنْ جَفَا ** وَيَسْعَى بِأَنْ يُوطي الْحِمَى أَوْ يُهْدَمَا

كَمَا أَنَّنَا لا نَرْتَضِي جُورَ مَنْ غَلا ** وَزَادَ عَلَى الْمَشْرُوعِ إِفْكًا وَمَأْثَما

وَيَا مُؤْثَرَ الدُّنْيَا عَلَى الدِّينِ إِنَّمَا ** عَلَى قَلْبِكَ الرَّانُ الَّذِي قَدْ تَحَكَّمَا

وَعَادَيْتَ بَلْ وَالَيْتَ فِيهَا وَلَمْ تَخَفْ ** عَوَاقِبَ مَا تَجْنِي وَمَا كَانَ أَعْظَما

أَغَرَّتْكَ دُنْيَاكَ الدَّنِيَّة رَاضِيًا ** بِزَهْرَتِهَا حَتَّى أَبَحْتَ الْمُحَرَّمَا

تَرُوقُ لَكَ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِ أَهْلِهَا ** كَأَن لَمْ تَصِرْ يَوْمًا إِلَى الْقَبْرِ مُعْدِمَا

خَلِيًا مِنَ الْمَالِ الَّذِي قَدْ جَمَعْتَهُ ** وَفَارَقْتَ أَحْبَابًا وَقَدْ صِرْتَ أَعْظُمَا

وَلَمَّا تَقَدَّمَ مَا يُنَجِّيكَ فِي غَدٍ ** مِنَ الدِّينِ مَا قَدْ كَانَ أَهْدَى وَأَسْلَمَا

وَذَلِكَ أَنْ تَأْتِى بِدِينِ مُحَمَّدٍ ** وَمِلَّةِ إِبْرِاهِيمَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمَا

تُوَالي َعلَى هَذَا وَتَرْجُو بِحُبِّهِمْ ** رِضَى الْمَلِك العْلام إِذَا كَانَ أَعَظْمَا

وَتُبْغِضُ مَنَ عَادَى وَتَرْجُو بِبُغْضِهِمْ ** مِنَ اللهِ إِحْسَانًا وَجُودًا وَمَغْنَمَا

فهَذَا الَّذِي نَرْضَى لِكُلِّ مُوَحِّد ** وَنَكْرَهُ أَسْبَابًا تُرِدْهُ جَهَنَّمَا

وَصَلِّ إِلَهِي مَا تَأَلَّقَ بَارِقٌ ** عَلَى الْمُصْطَفَى مَنْ كَانَ بِاللهِ أعْلَمَا

وَآلٍ وَأَصْحَابٍ وَمَنْ كَانَ تَابِعًا ** وَتَابِعْهُمْ مَا دَامَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَا